الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»
.تفسير الآية رقم (78): {قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (78)}{قَالُواْ} عندما شاهدوا مخايل أخذ بنيامين مستعطفين {تَصِفُونَ قَالُواْ يأَيُّهَا العزيز إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا} طاعنًا في السن لا يكاد يستطيع فراقه وهو علالة به يتعلل عن شقيقه الهالك، وقيل: أراد مسنًا كبيرًا في القدر، والوصف على القولين محط الفائدة وإلا فالإخبار بأن له أبا معلوم مما سبق {فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ} بدله فلسنا عنده نزلته من المحبة والشفقة {إِنَّا نَرَاكَ مِنَ المحسنين} إلينا فأتم إحسانك فما الإنعام إلا بالإتمام أو من عادتك الإحسان مطلقًا فاجر على عادتك ولا تغيرها معنا فنحن أحق الناس بذلك، فالإحسان على الأول خاص وعلى الثاني عام، والجملة على الوجهين اعتراض تذييلي على ما ذهب إليه بعض المدققين، وذهب بعض آخر إلى أنه إذا أريد بالإحسان الإحسان إليهم تكون مستأنفة لبيان ما قبل إذ أخذ البدل إحسان إليهم وإذا أريد أن عموم ذلك من دأبك وعادتك تكون مؤكدة لما قبل وذكر أمر عام على سبيل التذييل أنسب بذلك..تفسير الآية رقم (79): {قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِنْدَهُ إِنَّا إِذًا لَظَالِمُونَ (79)}{قَالَ مَعَاذَ الله} أي نعوذ بالله تعالى معاذًا من {أَن نَّأْخُذَ} فحذف الفعل وأقيم المصدر مقامه مضافًا إلى المفعول به وحذف حرف الجر كما في أمثاله {إِلاَّ مَن وَجَدْنَا متاعنا عِندَهُ} لأن أخذنا له إنما هو بقضية فتواكم فليس لنا الإخلال وجبها {إِنَّا إِذَا} أي إذا أخذنا غير من وجندا متاعنا عنده ولو برضاه {لظالمون} في مذهبكم وشرعكم وما لنا ذلك، وإيثار صيغة المتكلم مع الغير مع كون الخطاب من جهة اخوته على التوحيد من باب السلوك إلى سنن الملوك وللإشعار بأن الأخذ والإعطاء ليس مما يستبد به بل هو منوط بآراء أهل الحل والعقد، وإيثار {مَن وَجَدْنَا متاعنا عِندَهُ} على من سرق متاعنا الأخضر لأنه أوفق بما وقع في الاستفتاء والفتوى أو لتحقيق الحق والاحتراز عن الكذب في الكلام مع تمام المرام فإنهم لا يحملون وجدان الصواع عنده على محمل غير السرقة، والمتاع اسم لما ينتفع به وأريد به الصواع، وما ألطف استعماله مع الأخذ المراد به الاسترقاق والاستخدام وكأنه لهذا أوثر على الصواع، والظاهر أن الأخذ في كلامهم محمول على هذا المعنى أيضًا حقيقة.وجوز ابن عطية أن يكون ذلك مجازًا لأنهم يعلمون أنه لا يجوز استرقاق حر غير سارق بدل من قد أحكمت السنة رقه فقولهم ذلك كما تقول لمن تكره فعله: اقتلني ولا تفعل كذا وأنت لا تريد أن يقتلك ولكنك تبالغ في استنزاله، ثم قال: وعلى هذا يتجه قول يوسف عليه السلام: {مَعَاذَ الله} لأنه تعوذ من غير جائز، ويحتمل أن لا يريدوا هذا المعنى، وبعيد عليهم وهم أنبياء أن يريدوا استرقاق حر فلم يبق إلا أن يريدوا بذلك الحمالة أي خذ أحدنا وأبقه عندك حتى ينصرف إليك صاحبك ومقصدهم بذلك أن يصل بنيامين إلى أبيه فيعرفه جلية الحال اه وهو كلام لا يعول عليه أصلًا كما لا يخفى؛ ولجواب يوسف عليه السلام معنى باطن هو أن الله عز وجل إنما أمرني بالوحي أن آخذ بنيامين لمصالح علمها سبحانه في ذلك فلو أخذت غيره كنت ظالمًا لنفسي وعاملًا بخلاف الوحي..تفسير الآية رقم (80): {فَلَمَّا اسْتَيْئَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا قَالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ وَمِنْ قَبْلُ مَا فَرَّطْتُمْ فِي يُوسُفَ فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ (80)}{فَلَمَّا الكتاب مِنْهُ} أي يئسوا من يوسف عليه السلام وإجابته لهم إلى مرادهم، فاستفعل عنى فعل نحو سخر واستسخر وعجب واستعجب على ما في البحر، وقال غير واحد: إن السين والتاء زائدتان للمبالغة أي يئسوا يأسًا كاملًا لأن المطلوب المرغوب مبالغ في تحصيله، ولعل حصول هذه المرتبة من اليأس لهم لما شاهدوه من عوذه بالله تعالى مما طلبوه الدال على كون ذلك عنده في أقصى مراتب الكراهة وأنه مما يجب أن يحترز عنه ويعاذ بالله تعالى منه، ومن تسميته ذلك ظلمًا بقوله: {إِنَّا إِذًا لظالمون} [يوسف: 79].وفي بعض الآثار أنهم لما رأوا خروج الصواع من رحله وكانوا قد أفتوا بما أفتوا تذكروا عهدهم مع أبيهم استشاط من بينهم روبيل غضبًا وكان لا يقوم لغضبه شيء ووقف شعره حتى خرج من ثيابه فقال: أيها الملك لتتركن أخانا أو لأصيحن صيحة لا يبقين بها في مصر حامل إلا وضعت فقال يوسف عليه السلام لولد له صغير: قم إلى هذا فمسه أو خذ بيده، وكان إذا مسه أحد من ولد يعقوب عليه السلام يسكن غضبه، فلما فعل الولد سكن غضبه فقال لإخوته: من مسني منكم؟ فقالوا: ما مسك أحد منا فقال: لقد مسني ولد من آل يعقوب عليه السلام، ثم قال لإخوته كم عدد الأسواق صر؟ قالوا: عشرة قال: اكفوني أنتم الأسواق وأنا أكفيكم الملك أو اكفوني أنتم الملك وأنا أكفيكم الأسواق فلما أحس يوسف عليه السلام بذلك قام إليه وأخذ بتلابيبه وصرعه وقال: أنتم يا معشر العبرانيين تزعمون أن لا أحد أشد منكم قوة فعند ذلك خضعوا وقالوا: {يا أيها العزيز} [يوسف: 78] إلخ، ويمكن على هذا أن يكون حصول اليأس الكامل لهم من مجموع الأمرين.وجوز بعضهم كون ضمير {مِنْهُ} لبنيامين، وتعقب بأنهم لم ييأسوا منه بدليل تخلف كبيرهم لأجله وروى أبو ربيعة عن البزي عن ابن كثير أنه قرأ {استأيسوا} من أيس مقلوب يئس، ودليل القلب على ما في البحر عدم انقلاب ياء أيس ألفًا لتحركها وانفتاح ما قبلها، وحاصل المعنى لما انقطع طمعهم بالكلية {مِنْهُ خَلَصُواْ} انفردوا عن غيرهم واعتزلوا الناس.وقول الزجاج: انفرد بعضهم عن بعض فيه نظر {نَجِيًّا} أي متناجين متشاورين فيما يقولون لأبيهم عليه الصلاة والسلام، وإنما وحده وكان الظاهر جمعه لأنه حال من ضمير الجمع لأنه مصدر بحسب الأصل كالتناجي أطلق على المتناجين مبالغة أو لتأويله بالمشتق والمصدر ولو بحسب الأصل يشمل القليل والكثير أو لكونه على زنة المصدر لأن فعيلًا من أبنية المصادر هو فعيل عنى مفاعل كجليس عنى مجالس وكشعير عنى معاشر، أي مناج بعضهم بعضًا فيكونون متناجين وجمعه أنجية قال لبيد:وأنشد الجوهري: وهو على خلاف القياس إذ قياسه في الوصف افعلاء كغني وأغنياء {قَالَ كَبِيرُهُمْ} أي رئيسهم وهو شمعون قاله مجاهد، أو كبيرهم في السن وهو روبيل قاله قتادة، أو كبيرهم في العقل وهو يهوذا قاله وهب. والكلبي، وعن محمد بن إسحق أنه لاوى {أَلَمْ تَعْلَمُواْ} كأنهم أجمعوا عند التناجي على الانقلاب جملة ولم يرض به فقال منكرًا عليهم: {أَلَمْ تَعْلَمُواْ}.{أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَّوْثِقًا مّنَ الله} عهدًا يوثق به وهو حلفهم بالله تعالى وكونه منه تعالى لأنه بإذنه فكأنه صدر منه تعالى أو هو من جهته سبحانه فمن ابتدائية {وَمِن قَبْلُ} أي من قبل هذا، والجار والمجرور متعلق بقوله تعالى: {مَا فَرَّطتُمْ فِي يُوسُفَ} أي قصرتم في شأنه ولم تحفظوا عهد أبيكم فيه وقد قلتم ما قلتم. و{مَا} مزيدة والجملة حالية، وهذا على ما قيل أحسن الوجوه في الآية وأسلمها، وجوز أن تكون {مَا} مصدرية ومحل المصدر النصب عطفًا على مفعول {تَعْلَمُواْ} أي ألم تعلموا أخذ أبيكم موثقًا عليكم وتفريطكم السابق في شأن يوسف عليه السلام، وأورد عليه أمران. الفصل بين حرف العطف والمعطوف بالظرف، وتقديم معمول صلة الموصول الحرفي عليه وفي جوازهما خلاف للنحاة والصحيح الجواز خصوصًا بالظرف المتوسع فيه، وقيل: بجواز العطف على اسم {ءانٍ} ويحتاج حينئذ إلى خبر لأن الخبر الأول لا يصح أن يكون خبر إله فهو {فِى يُوسُفَ} أو {مِن قَبْلُ} على معنى ألم تعلموا أن تفريطكم السابق وقع في شأن يوسف عليه السلام أو أن تفريطكم الكائن أو كائنًا في شأن يوسف عليه السلام وقع من قبل.واعترض بأن مقتضى المقام إنما هو الأخبار بوقوع ذلك التفريط لا يكون تفريطهم السابق واقعًا في شأن يوسف عليه السلام كما هو مفاد الأول، ولا يكون تفريطهم الكائن في شأنه واقعًا من قبل كما هو مفاد الثاني.وفيه أيضًا ما ذكره أبو البقاء وتبعه أبو حيان من أن الغايات لا تقع خبرًا ولا صلة ولا صفة ولا حالًا وقد صرح بذلك سيبويه سواء جرت أم لم تجر فتقول: يوم السبت يوم مبارك والسفر بعده ولا تقول والسفر بعد، وأجاب عند في الدر المصون بأنه إنما امتنع ذلك لعدم الفائدة لعدم العلم بالمضاف إليه المحذوف فينبغي الجواز إذا كان المضاف إليه معلومًا مدلولًا عليه كما في الآية الكريمة، ورد بأن جواز حذف المضاف إليه في الغايات مشروط بقيام القرينة على تعيين ذلك المحذوف على ما صرح به الرضى فدل على أن الامتناع ليس معللًا بما ذكر.وقال الشهاب: أن ما ذكروه ليس متفقًا عليه فقد قام الإمام المرزوقي في شرح الحماسة: إنها تقع صفات وأخبارًا وصلات وأحوالًا ونقل هذا الاعراب المذكور هنا عن الرماني وغيره واستشهد له بما يثبته من كلام العرب، ثم إن في تعرفها بالإضافة باعتبار تقدير المضاف إليه معرفة يعينه الكلام السابق عليها اختلافًا والمشهور أنها معارف، وقال بعضهم: نكرات وإن التقدير من قبل شيء كما في شرح التسهيل. والفاضل صاحب الدر سلك مسلكًا حسنًا وهو أن المضاف إليه إذا كان معلومًا مدلولًا عليه بأن يكون مخصوصًا معينًا صح الاخبار لحصول الفائدة فإن لم يتعين بأن قامت قرينة العموم دون الخصوص وقدر من قبل شيء لم يصح الأخبار ونحوه إذ ما شيى إلا وهو قبل شيء ما فلا فائدة في الأخبار فحينئذ يكون معرفة ونكرة، ولا مخالفة بني كلامه وكلام الرضى مع أن كلام الرضى غير متفق عليه انتهى، وهو كما قال تحقيق نفيس، وقيل: محل المصدر الرفع على الإبتداء والخبر {مِن قَبْلُ} وفيه البحث السابق، وقيل: {مَا} موصولة ومحلها من الإعراب ما تقدم من الرفع أو النصب وجملة {فَرَّطتُمْ} صلتها والعائد محذوف، والتفريط عنى التقديم من الفرط لا عنى التقصير أي ما قدمتموه من الجناية.وأورد عليه أنه يكون قوله تعالى: {مِن قَبْلُ} تكرارًا فإن جعل خبرًا يكون الكلام غير مفيد وإن جعل متعلقًا بالصلة يلزم مع التكرار تقديم متعلق الصلة على الموصول وهو غير جائز، وقيل: {مَا} نكرة موصوفة ومحلها ما تقدم وفيه ما فيه {فَلَنْ أَبْرَحَ الأرض} مفرع على ما ذكره وذكر به، و{برح} تامة وتستعمل إذا كان كذلك عنى ذهب وعنى ظهر كما في قولهم: برح الخفاء، وقد ضمنت هنا معنى فارق فنصبت {وَفِى الأرض} على المفعولية ولا يجوز أن تكون ناقصة لأن الأرض لا يصح أن تكون خبرًا عن المتكلم هنا وليست منصوبة على الظرفية ولا بنزع الخافض؛ وعنى بها أرض مصر أي فلن أفارق أرض مصر جريًا على قضية الميثاق {حتى يَأْذَنَ لِى أبى} في البراح بالانصراف إليه {أَوْ يَحْكُمَ الله لِى} بالخروج منها على وجه لا يؤدي إلى نقض الميثاق أو بخلاص أخي بسبب من الأسباب، قال في البحر إنه غيا ذلك بغايتين خاصة وهي إذن أبيه وعامة وهي حكم الله تعالى له وكأنه بعد أن غيا بالأولى رجع وفوض الأمر إلى من له الحكم حقيقة جل شأنه، وأراد حكمه سبحانه بما يكون عذرًا له ولو الموت، والظاهر أن أحب الغايتين إليه الأولى فلذا قدم {لِى} فيها وأخره في الثانية فليفهم {وَهُوَ خَيْرُ الحاكمين} إذ لا يحكم سبحانه إلا بالحق والعدل. .تفسير الآية رقم (81): {ارْجِعُوا إِلَى أَبِيكُمْ فَقُولُوا يَا أَبَانَا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وَمَا شَهِدْنَا إِلَّا بما عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ (81)}{ارجعوا إلى أَبِيكُمْ فَقُولُواْ} له {فَقُولُواْ يأَبَانَا إِنَّ ابنك سَرَقَ} الظاهر أن هذا القول من تتمة كلام كبيرهم وقيل: هو من كلام يوسف عليه السلام وفيه بعد كما أن الظاهر أنهم أرادوا أنه سرق في نفس الأمر.{وَمَا شَهِدْنَا} عليه {إِلاَّ بما عَلِمْنَا} من سرقته وتبقيناه حيث استخرج صواع الملك من رحله.{وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حافظين} وما علمنا أنه سيسرق حين أعطيناك الميثاق أو ما علمنا أنك ستصاب به كما أصبت بيوسف. وقرأ الضحاك {سارق} باسم الفاعل.وقرأ ابن عباس. وأبو رزين. والكسائي في رواية {فَقَدْ سَرَقَ} بتشديد الراء مبنيًا للمفعول أي نسب إلى السرقة فمعنى {وَمَا شَهِدْنَا} إلخ وما شهدنا إلا بقدر ما علمنا من التسريق وما كنا للأمر الخفي بحافظين أسرق بالصحة أم دس الصواع في رحله ولم يشعر. واستحسنت هذه القراءة لما فيها من التنزيه كذا قالوا، والظاهر أن القول باستفادة اليقين من استخراج الصواع من رحله مما لا يصح فكيف يوجب اليقين، واحتمال أنه دس فيه من غير شعور قائم جعل مجرد وجود الشيء في يد المدعى عليه بعد إنكاره موجبًا للسرق في شرعهم أولًا، قيل: فالوجه أن الظن البين قائم مقام العلم، ألا ترى أن الشهادة تجوز بناء على الاستصحاب ويسمى علمًا كقوله تعالى: {فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مؤمنات} [الممتحنة: 10] وإنما جزموا بذلك لبعد الاحتمالات المعارضة عندهم، وإذا جعل الحكم بالسرقة وكذا علمهم أيضًا مبنيًا على ما شاهدوا من ظاهر الأمر اتحدت القراءتان ويفسر {وَمَا كُنَّا} إلخ بما فسر به على القراءة الأخيرة، وقيل: معنى {مَا شَهِدْنَا} إلخ ما كانت شهادتنا في عمرنا على شيء إلا بما علمنا وليست هذه شهادة منا إنما هي خبر عن صنيع ابنك بزعمهم {وَمَا كُنَّا} إلخ كما هو وهو ذهاب أيضًا إلى أنهم غير جازمين. وفي الكشف الذي يشهد له الذوق أنهم كانوا جازمين وقولهم: {إن يسرق فقد سرق} [يوسف: 77] تمهيد بين، وادعاء العلم لا يلزم العلم فإن كان لبعد الاحتمالات المعارضة فلا يكون كذبًا محرمًا وإلا فغايته الكذب في دعوى العلم وليس بأول كذباتهم، وكان قبل أن تنبؤا ولهذا خونهم الأب في هذه أيضًا، على أن قولهم: {جَزاؤُهُ مَن وُجِدَ فِي رَحْلِهِ} [يوسف: 75] مؤكدًا ذلك التأكيد يدل على أنهم جعلوا الوجدان في الرحل قاطعًا وإلا كان عليهم أن يقولوا: جزاؤه من وجد في رحله متعديًا أو سارقًا ونحوه، فإن يحتمل عنهم الحزم هنالك فلم لا يحتمل هاهنا اه وفيه مخالفة لبعض ما نحن عليه، وكذا لما ذكرناه في تفسير {جَزَاؤُهُ} [يوسف: 75] إلخ، ولعل الأمر في هذا هين. ومن غريب التفسير أن معنى قولهم: {لّلْغَيْبِ} لليل وهو بهذا المعنى في لغة حمير وكأنهم قالوا: وما شهدنا إلا بما علمنا من ظاهر حاله وما كنا لليل حافظين. أي لا ندري ما يقع فيه فلعله سرق فيه أو دلس عليه، وأنا لا أدري ما الداعي إلى هذا التفسير مع تبلج صبح المعنى المشهور؛ وأيًا ما كان فلام {لّلْغَيْبِ} للتقوية والمراد حافظين الغيب.
|